فصل: الحديث السَّادِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عَصَب».
هَذَا الحَدِيث مَشْهُور، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَهُوَ عَن عبد الله بن عكيم قَالَ: «أَتَانَا كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِشَهْر: ألآَّ تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب».
رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي فِي سنَن حَرْمَلَة، وَأحمد فِي مُسْنده، وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي سُنَنهمْ وَلم يذكر مِنْهُم الْمدَّة غير الشَّافِعِي، وَأحمد، وَأبي دَاوُد.
وَفِي رِوَايَة أَحْمد: «بِشَهْر أَو بشهرين».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن الْحسن يَقُول: كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يذهب إِلَى حَدِيث ابْن عكيم هَذَا، لقَوْله: «قبل وَفَاته بشهرين». وَكَانَ يَقُول: هَذَا آخر الْأَمر. قَالَ: ثمَّ ترك أَحْمد بن حَنْبَل هَذَا الحَدِيث لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَاده، حَيْثُ رَوَى بَعضهم، فَقَالَ: عَن عبد الله بن عكيم، عَن أَشْيَاخ من جُهَيْنَة.
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، من طَرِيقين، من رِوَايَة: عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن ابْن عكيم، وَفِي إِحْدَاهمَا: «كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» وذَكَر الْمدَّة، وَفِي الْأُخْرَى: قُرىء علينا كتاب رَسُول الله، من غير ذكرهَا. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق ثَالِث عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عبد الله بن عكيم، قَالَ: حَدَّثَنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَيْهِم: أَن لَا تستمتعوا من الْميتَة بِشَيْء». قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة وَهِي: «حَدَّثَنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة» أوهمت عَالما من النَّاس أَن الْخَبَر لَيْسَ بِمُتَّصِل. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا نقُول فِي كتَابنَا: أنَّ الصَّحَابِيّ قد يشْهد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيسمع مِنْهُ شَيْئا، ثمَّ يسمع ذَلِك الشَّيْء مِمَّن هُوَ أعظم خطرًا مِنْهُ، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمرَّة يخبر عمَّا شَاهده، وَمرَّة يروي عَمَّن سمع.
أَلا ترَى أَن ابْن عمر شهد سُؤال جِبْرِيل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الإِيمان، وسَمعه من عمر بن الْخطاب، فَمرَّة أخبر بِمَا شَاهد، وَمرَّة رَوَى عَن أَبِيه مَا سمع، فَكَذَلِك عبد الله بن عكيم، شهد كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قُرىء عَلَيْهِم فِي جُهَيْنَة، وَسمع مَشَايِخ جُهَيْنَة يَقُولُونَ ذَلِك، فأدّى مرّة مَا شهد، وَأُخْرَى مَا سمع، من غير أَن يكون فِي الْخَبَر انْقِطَاع. هَذَا آخر كَلَامه فِي صَحِيحه.
وَقَالَ فِي كتاب الثِّقَات: عبد الله بن عكيم، الْجُهَنِيّ أَبُو معبد أدْرك زمن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا «كتب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جُهَيْنَة قبل مَوته بِشَهْر: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب».
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه معرفَة السّنَن والْآثَار، وَغَيره من الْحفاظ: هَذَا الحَدِيث مُرْسل، وَابْن عكيم لَيْسَ بصحابي. وَقَالَ الخَطَّابي: مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء جَوَاز الدّباغ، وَوَهَّنُوا هَذَا الحَدِيث، لِأَن ابْن عكيم لم يَلْقَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَن كتاب. وعَلَّلوه أَيْضا: بِأَنَّهُ مُضْطَرب، وَعَن مشيخة مجهولين، لم تثبتْ صحبتهم.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَى دَاوُد بن عَلّي: أَن ابْن معِين ضَعَّفه، وَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. وَابْن عكيم لَيست لَهُ صُحْبَة، قَالَه الرازيان. وعَدَّه أَبُو نعيم مِنْهُم، وَذكر لَهُ حَدِيثا آخر.
وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي كِتَابه، وَقَالَ: لَا يُعْرف لَهُ سَماع صَحِيح من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: اخْتُلف فِي سَمَاعه من رَسُول الله من حَدِيثه «من عَلَّق شَيْئا وُكِلَ إِلَيْهِ».
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا، عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ قولة غَرِيبَة: أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ ولعَبْد الله بن عكيم سنة.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لم يسمع عبد الله بن عكيم من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا هُوَ كِتَابه.
وَقَالَ ابْن شاهين: هَذَا الحَدِيث مَشْهُور بِعَبْد الله بن عكيم، وَلَيْسَ لَهُ لِقَاء لهَذَا الحَدِيث، وَكَذَا جزم الإِمام الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند بذلك فَقَالَ: فِي هَذَا الحَدِيث إرْسَال.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن، عَلّي بن الْفضل الْمَقْدِسِي: قد اعْتمد الْأَصْحَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث وَهُوَ ضَعِيف فِي إِسْنَاده، قَابل التَّأْوِيل فِي مُرَاده.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي شرح الإِلمام: قَوْله: ضَعِيف فِي إِسْنَاده. لَا يُحمل عَلَى الطعْن فِي الرِّجَال، فإنَّهم ثِقَات إِلَى عبد الله بن عكيم، وإنَّما يَنْبَغِي أَن يُحمل عَلَى الضعْف بِسَبَب الِاضْطِرَاب، كَمَا نُقل عَن الإِمام أَحْمد.
وَكَذَا قَالَ فِي كِتَابه الإِمام: الَّذِي يعتل بِهِ فِي هَذَا الحَدِيث الِاخْتِلَاف، فروَى عَن الحكم عَن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الله بن عكيم، قَالَ: «قُرىء علينا كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب».
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي عمر الضَّرِير، نَا أَبُو شيبَة، وَإِبْرَاهِيم بن عُثْمَان، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عبد الله بن عكيم، قَالَ: «أَتَانَا كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَرض جُهَيْنَة، قبل وَفَاته بشهرين: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب». ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِه عَن أبي شيبَة إلاَّ: أَبُو عمر الضَّرِير، وَأَبُو شيبَة تكلمُوا فِيهِ، وَقيل: مَتْرُوك.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من جِهَة خَالِد، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن: «أَنه انْطلق هُوَ وأناس إِلَى عبد الله بن عكيم، فَدَخَلُوا، وَقَعَدت عَلَى الْبَاب، فَخَرجُوا إليَّ، فَأَخْبرُونِي أَن عبد الله بن عكيم أخْبرهُم...» الحَدِيث.
فَفِي هَذِه الرِّوَايَة: أَنه سَمعه من النَّاس الداخلين عَلَيْهِ عَنهُ، وهم مَجْهُولُونَ.
ورَوَاهُ ابْن عدي، من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن أبي سعيد الْبَصْرِيّ- وَهُوَ شبيب بن سعيد- عَن شُعْبَة، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن ابْن عكيم، قَالَ: «جَاءَنَا كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنحن بجهينة...» الحَدِيث.
قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: «شبيب ثِقَة»، وتَكَلَّم فِيهِ ابْن عدي.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ- أَيْضا- فِي مُعْجَمه الْأَوْسَط: من حَدِيث فضَالة بن الْمفضل بن فضَالة، عَن أَبِيه، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، كَمَا تَقَدَّم، ثمَّ قَالَ: لم يَرْوِه عَن أبي سعيد إلاَّ يَحْيَى، تفرَّد بِهِ فضَالة عَن أَبِيه.
قُلْتُ: قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يكن فضَالة بِأَهْل أَن يُكْتَبَ عَنهُ الْعلم.
وَاعْلَم: أَن متن حَدِيث عبد الله بن عكيم قد رُوي من غير طَرِيقه، ذكره الْحفاظ: ابْن شاهين، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابَيْهِمَا نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام بأسانيدهم، من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُنْتَفَع من الْميتَة بعصبٍ أَو إهَاب».
وَفِيه- خَلا رِوَايَة ابْن شاهين، وَابْن الْجَوْزِيّ- عَدِي بن الْفضل، وَكَأَنَّهُ أَبُو حَاتِم الْبَصْرِيّ، مولَّى بني تيم ابْن مرّة، وَهُوَ ضَعِيف جدا، وَلم يعقها الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بِشَيْء، وَكَأَنَّهُ ترك التَّنْصِيص عَلَى ذَلِك لوضوحه.
وَرَوَاهُ الْأَوَّلَانِ- أَيْضا- فِي كِتَابَيْهِمَا الْمَذْكُورين من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِي اللهُ عَنْهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يُنْتفع من الْميتَة بِشَيْء».
لَا أعلم بِإِسْنَادِهِ بَأْسا، وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه، بعد أَن عزاهُ إِلَى رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظه: «لَا تنتفعوا» بدل: «لَا ينْتَفع»، وَفِي نُسْخَة مِنْهُ: رَوَاهُ أَصْحَابنَا.
وَقَالَ صَاحب الْمُغنِي: رَوَاهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي، بِإِسْنَادِهِ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَإِسْنَاده حسن.
وَقد رَوَاهُ ابْن وهب فِي مُسْنده، عَن زَمعَة بن صَالح، عَن أبي الزبير بِهِ. وَزَمعَة مُخْتَلف فِيهِ.
فَتَلخَّص مِمَّا ذَكرْنَاهُ: أَن للحفَّاظ فِي حَدِيث ابْن عكيم هَذَا مقالتان- بعد تَسْلِيم الإِرسال-:
إِحْدَاهمَا: الِاضْطِرَاب، وَلَهُم فِي ذَلِك مقامان:
أَحدهمَا: أَنه قَادِح، كَمَا تقدم عَن الإِمام أَحْمد؛ وَالثَّانِي: أَنه لَيْسَ بقادح، بل يُمكن الْجمع، وَلَا اضْطِرَاب، كَمَا تقدم عَن الْحَافِظ أبي حَاتِم بن حبَان، وَهَذَا فِي رِوَايَة صَحِيحه كَمَا قَرَّره، وَأما فِي ضعيفه كَمَا تقدم فَلَا.
وَالثَّانيَِة: الضعْف، كَمَا تَقَدَّم عَن ابْن معِين، وَأبي الْحسن الْمَقْدِسِي، وفيهَا النّظر الْمُتَقَدّم. ثمَّ لَهُم بعد ذَلِك نظران:
أَحدهمَا: أَنه عَلَى تَقْدِير صِحَّته، مَحْمُول عَلَى مَا قبل الدّباغ، قَالَه أَبُو مُحَمَّد ابْن حزم فِي كِتَابه الْمُحَلَّى، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَهَذَا لَفظه: مَعْنَى خبر عبد الله بن عكيم: «أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» يُرِيد قبل الدّباغ، قَالَ وَالدَّلِيل عَلَى صِحَة ذَلِك، قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أيُّما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُر». أه.
الثَّانِي: أَنه نَاسخ، أَو مَنْسُوخ، قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: هَذَا الحَدِيث نَاسخ لما قبله، أَلا ترَاهُ يَقُول: «قبل مَوته بِشَهْر». وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِحَدِيث مَيْمُونَة. وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدَّين ابْن تَيْمِية فِي الْأَحْكَام: أَكثر أهل الْعلم عَلَى أَن الدّباغ مُطَهِّر فِي الْجُمْلَة، لصِحَّة النُّصُوص بِهِ، وَخبر ابْن عكيم لَا يقاربها فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة لينسخها. وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابيه: النَّاسِخ والمنسوخ، والْإِعْلَام مَا مُخْتَصره: حَدِيث ابْن عكيم مُضْطَرب جدا، لَا يُقَاوم حَدِيث مَيْمُونَة الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ. زَاد فِي الْإِعْلَام: وَقَالَ قوم: يجوز أَن تكون أَحَادِيث الْإِبَاحَة قبل مَوته بِيَوْم أَو بيومين.
قَالَ: وَأجَاب آخَرُونَ عَنهُ: بِأَنَّهُ قد رَوَى فِي بعض أَلْفَاظه: «كنت رَخَّصت لكم فِي جُلُود الْميتَة»، فَدَلَّ عَلَى تَقْدِيم أَحَادِيث الإِباحة، وصحَّ النّسخ. قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة بعيدَة الثُّبُوت. قَالَ: ثمَّ يحْتَمل أَن يكون رخص فِي ذَلِك، ثمَّ نهَى، ثمَّ رخص.
وَلَقَد أَجَاد الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي، فِي كِتَابه النَّاسِخ والمنسوخ- وَهُوَ كتاب لَا نَظِير لَهُ فِي بَابه، فِي غَايَة التَّحْقِيق والنفاسة- فِي كَلَامه عَلَى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حَدِيث ابْن عكيم هَذَا حسن، عَلَى شَرط أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، أَخْرجَاهُ فِي كِتَابَيْهِمَا من عدَّة طرق، وَقد رُوِيَ عَن الحكم من غير وَجه، وفيهَا اخْتِلَاف أَلْفَاظ.
قَالَ: وَمن ذهب إِلَى هَذَا الحَدِيث قَالَ: الْمصير إِلَى هَذَا الحَدِيث أَوْلَى، لِأَن فِيهِ دلَالَة النّسخ، أَلا ترَى أَن حَدِيث سَلمَة بن المحبق- يَعْنِي الْآتِي قَرِيبا- يدل عَلَى أَن الرُّخْصَة كَانَت يَوْم تَبُوك، وَهَذَا قبل مَوته بِشَهْر، فَهُوَ بعد الأول بِمدَّة. وَلِأَن فِي حَدِيث سَوْدَة: حَتَّى تخرقت، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «كُنَّا ننبذ فِيهِ حتَّى صَار شَنًّا. وَلَا تتخرق الْقرْبَة وَلَا تصير شَنًّا فِي شهر».
قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَات، عَن الحكم بن عتيبة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى: أَنه انْطلق وناس مَعَه إِلَى عبد الله بن عكيم... نَحوا مِمَّا ذكرنَا.
قَالَ خَالِد: أما أَنه قد حَدَّثَنَي: أَنه كتب إِلَيْهِم قبل هَذَا الْكتاب بِكِتَاب آخر. قُلْتُ: فِي تَحْلِيله؟ قَالَ: مَا تصنع بِهِ؟ هَذَا بعده.
كَذَا رَوَاهُ الدَّارمِيّ، وَقَالَ: فِي قَول خَالِد هَذَا دَلِيل عَلَى أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم فِي ذَلِك تَحْلِيل قبل التَّشْدِيد، وأنَّ التَّشْدِيد كَانَ بعد.
قَالَ الْحَازِمِي: وَلَو اشْتهر حَدِيث ابْن عكيم، بِلَا مقَال فِيهِ- كَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الرُّخْصَة- لَكَانَ حَدِيثا أَوْلَى أَن يُؤخذ بِهِ، وَلَكِن فِي إِسْنَاده اخْتِلَاف: رَوَاهُ الحكم مرّة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن ابْن عكيم. وَرَوَاهُ عَنهُ الْقَاسِم بن مخيمرة، عَن خَالِد، عَن الحكم. وَقَالَ: إِنَّه لم يسمعهُ من ابْن عكيم، وَلَكِن من أنَاس دخلُوا عَلَيْهِ، ثمَّ خَرجُوا فأخبروه بِهِ.
قَالَ: وَلَوْلَا هَذِه الْعِلَل، لَكَانَ أولَى الْحَدِيثين أَن يُؤْخَذ بِهِ: حَدِيث ابْن عكيم؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤْخَذ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالآخِر فالآخِر، والأحدث فالأحدث. عَلَى أَن جمَاعَة أخذُوا بِهِ، وَذهب إِلَيْهِ من الصَّحَابَة: عمر بن الْخطاب، وَابْنه عبد الله، وَعَائِشَة.
ثمَّ رَوَى الْحَازِمِي بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الشَّيْخ الْحَافِظ، أَنه قَالَ: حُكِي أنَّ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه نَاظر الشَّافِعِي- وَأحمد بن حَنْبَل حَاضر- فِي جُلُود الْميتَة إِذا دُبغت، فَقَالَ الشَّافِعِي: دباغها طهورها. فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: مَا الدَّلِيل؟ فَقَالَ: حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة، أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «هلا انتفعتم بإهابها؟».
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: حَدِيث ابْن عكيم: «كتب إِلَيْنَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِشَهْر: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب»، فَهَذَا يشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة، لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر. فَقَالَ الشَّافِعِي: فَهَذَا كتاب، وَذَاكَ سَماع. فَقَالَ إِسْحَاق: فإنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر، فَكَانَت حجَّة بَينهم عِنْد الله. فَسكت الشَّافِعِي. فَلَمَّا سمع ذَلِك أَحْمد ذهب إِلَى حَدِيث ابْن عكيم، وأَفتى بِهِ، وَرجع إِسْحَاق إِلَى حَدِيث الشَّافِعِي.
قَالَ الْحَازِمِي: وَقد حَكَى الخلاَّل فِي كِتَابه عَن أَحْمد، أَنه توقف فِي حَدِيث ابْن عكيم، لَمَّا رَأَى تزلزل الروَاة فِيهِ، وَقَالَ بَعضهم: رَجَعَ عَنهُ.
قَالَ الْحَازِمِي: وَطَرِيق الإِنصاف فِيهِ أَن يُقال: إِن حَدِيث ابْن عكيم ظَاهر الدّلَالَة فِي النّسخ لَو صَحَّ، وَلكنه كثير الِاضْطِرَاب، ثمَّ لَا يُقَاوم حَدِيث مَيْمُونَة فِي الصِّحَّة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: أصحّ مَا فِي هَذَا الْبَاب، فِي جُلُود الْميتَة إِذا دُبغت: حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة.
وَقَالَ الْحَازِمِي: وروينا عَن الدوري أَنه قَالَ: قيل ليحيى بن معِين:
أيُّما أعجب إِلَيْك من هذَيْن الْحَدِيثين: «لَا ينْتَفع من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب» أَو: «دباغها طهورها»؟ فَقَالَ: «دباغها طهورها» أعجب إليَّ.
قَالَ الْحَازِمِي: فَإِذا تَعَذّر ذَلِك، فالمصير إِلَى حَدِيث ابْن عَبَّاس أَوْلَى، لوجوه من الترجيحات، ويُحمل حَدِيث ابْن عكيم عَلَى منع الِانْتِفَاع بِهِ قبل الدّباغ، وحينئذٍ يُسمَّى: إهابًا. وَبعد الدّباغ يُسمَّى جلدا، وَلَا يُسمى إهابًا، وَهَذَا مَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة ليَكُون جمعا بَين الْحكمَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الطَّرِيق فِي نفي التضاد عَن الْأَخْبَار. هَذَا آخر كَلَامه- رَحْمَة الله عَلَيْهِ-، مَا أَشد تَحْقِيقه.
وتَلَخَّص لَك مِنْهُ وَمِمَّا تقدم، أَن للحفاظ فِيهِ سِتّ مقالات- بعد تَسْلِيم الإِرسال-:
أَولهَا: أَنه مُضْطَرب قَادِح.
ثَانِيهَا: أَنه مُضْطَرب غير قَادِح.
ثَالِثهَا: أَنه ضَعِيف.
رَابِعهَا: أَنه مؤول.
خَامِسهَا: أَنه نَاسخ.
سادسها: أَنه مَنْسُوخ.
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ من ذَلِك، وَالَّذِي يظْهر- وَالْحَالة هَذِه- مَا قَالَه الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي أخيرًا.
فَائِدَة:
ذكر أَحْمد لعبد الله بن عكيم حَدِيثا آخر، وَهُوَ: «من تعلق شَيْئا وُكِلَ إِلَيْهِ».

.الحديث الرَّابِع:

أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إنَّما حرم من الْميتَة أكلهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُما، وَقد تَقَدَّم بِطُولِهِ أول الْبَاب.
وَيجوز أَن تقْرَأ: «حُرِّم»، بِضَم الْحَاء، وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة، و«حَرُم»، بِفَتْح الْحَاء، وَضم الرَّاء المخففة، وهما رِوَايَتَانِ.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَلَيْسَ فِي الشَّبِّ، والقرظ، وَالْمَاء مَا يُطَهِّره؟».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِذكر الشَّبِّ فِيهِ، لَا أعلم من خَرَّجه بِهِ، وَلَعَلَّ الإِمام الرَّافِعِيّ قَلَّد فِيهِ الإِمام، فَإِنَّهُ قَالَ فِي نهايته: إِنَّه جَاءَ فِي رِوَايَة: «أَلَيْسَ فِي الشَّبِّ والقرظ مَا يطهره؟»؛ وَالْمَاوَرْدِيّ فإنَّه قَالَ فِي حاويه: جَاءَ فِي الحَدِيث النَّص عَلَى الشث والقرظ. وَالْمَاوَرْدِيّ والإِمام قلَّدا الْأَصْحَاب فِي ذَلِك، فقد قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي تَعْلِيقه: رُوي أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَلَيْسَ فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟». قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أعرفهُ مرويًّا. قَالَ: وأصحابنا يَرْوُونَهُ الشب والقرظ، وَلَيْسَ بِشَيْء.
فَهَذَا شيخ الْأَصْحَاب، قد نَصَّ عَلَى أَن هَذِه الرِّوَايَة لَيست بِشَيْء.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة: هُوَ بِهَذَا اللَّفْظ بَاطِل، لَا أصل لَهُ. وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: لَيْسَ للشَّبِّ ذِكْر فِي هَذَا الحَدِيث، وإنَّما هُوَ من كَلَام الشَّافِعِي، فإنَّه قَالَ: والدباغ بِمَا كَانَت الْعَرَب تدبغ بِهِ، وَهُوَ الشب والقرظ.
وَاخْتلف فِي الشب فِي كَلَام الشَّافِعِي، هَل هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة، أم بالثاء الْمُثَلَّثَة، فَقَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ من الْجَوَاهِر الَّتِي جعلهَا الله فِي الأَرْض، يُدْبَغ بِهِ يشبه الزاج. قَالَ: وَالسَّمَاع فِيهِ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَقد صَحَّفَه بَعضهم، فَقَالَ بِالْمُثَلثَةِ، وَهُوَ شجر مُرّ الطّعْم، لَا أَدْرِي أَيُدبغ بِهِ أَمْ لَا؟.
وَفِي الصِّحَاح: الشث- بِالْمُثَلثَةِ-: نبت طيب الرَّائِحَة، مر الطّعْم، يدبغ بِهِ.
ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة، فِي أول بَاب الشين مَعَ الثَّاء: أَنه مَرَّ بِشَاة ميتَة، فَقَالَ عَن جلدهَا: أَلَيْسَ فِي الشث والقرظ مَا يطهره؟.
فَإِذا عرفت ذَلِك، فَاعْلَم: أَن الْمَعْرُوف من متن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي كتب الحَدِيث «أَلَيْسَ فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟»، كَمَا أوردهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد، كَذَلِك ورد من طَرِيقين:
أَحدهمَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُما قَالَ: «مَرَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَاة ميتَة، فَقَالَ: هلا انتفعتهم بإهابها؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّهَا ميتَة! قَالَ: إنَّما حَرُم أكلهَا، أَوَلَيْس فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أوليس فِي الدّباغ وَالْمَاء مَا يطهرها؟».
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ- أَيْضا فِي سنَنه. وإسنادهما حسن. قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: هَذَا حَدِيث حسن، وَرِجَاله ثِقَات، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، ثمَّ ذكر بعده أَحَادِيث من مَعْنَاهُ، وَقَالَ: هَذِه أَسَانِيد صِحَاح، قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، فإنَّه رَوَاهُ عَن الإِمام أبي بكر النَّيْسَابُورِي- وشهرته تغني عَن ذكره- عَن إِبْرَاهِيم بن هَانِئ- وَقد كتب عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم، وَكَانَ ثِقَة صَدُوقًا- عَن عَمْرو بن الرّبيع- وَهُوَ ابْن طَارق، كتب عَنهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَالِد عبد الرَّحْمَن الْمُتَقَدّم وسُئِل عَنهُ، فَقَالَ: «صَدُوق» عَن يَحْيَى بن أَيُّوب- وَهُوَ: أَبُو الْعَبَّاس الْمصْرِيّ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مستشهدًا بِهِ، وَمُسلم محتجًا بِهِ- عَن عقيل- وَهُوَ: ابْن خَالِد الْأَيْلِي- عَن الزُّهْرِيّ- وَهُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ- عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة- وكل مِنْهُم ثِقَة ثَبت، مخرج حَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ- عَن عبد الله بن عَبَّاس.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن الْعَالِيَة بنت سُبيع، عَن مَيْمُونَة رَضِي اللهُ عَنْهُا، حدثتها: «أَنه مَرَّ برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجالٌ يَجُرُّون شَاة لَهُم مثل الْحمار، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَخَذْتُم إهابها؟ فَقَالُوا: إنَّها ميتَة! فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَإِنَّهَا يُطَهِّرُها المَاء والقرظ».
رَوَاهُ: أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، فِي سُنَنهمْ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَكَذَا ابْن السكن فِي صحاحه، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن.
وَاعْلَم: أَن الْوَاقِع فِي رِوَايَة هذَيْن الْحَدِيثين: «يطهرها» بهاء التَّأْنِيث، وَوَقع فِي الْمُهَذّب للشَّيْخ أبي إِسْحَاق- وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ عَلَى ذَلِك-: «يطهره» وَهُوَ تَحْرِيف لَفْظِي، وَإِن كَانَ الْمَعْنى صَحِيحا.
وَأما الحَدِيث الْوَارِد عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «اسْتَمْتعُوا بجلود الْميتَة إِذا هِيَ دُبغت، بِتُرَاب، أَو ملح، أَو رماد، أَو مَا كَانَ بعد أَن يرد صَلَاحه»: فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيره، وضَعَّفه ابْن عدي، وَآخَرُونَ، وإنْ ذكره ابْن السكن فِي صحاحه.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُتنبه لَهُ: أَن الْقرظ يكْتب بالظاء، لَا بالضاد، وَهُوَ وَإِن كَانَ وَاضحا، فَلَا يضر التَّنْبِيه عَلَيْهِ، فقد صُحِّف.
والقرظ: ورق شجر السَّلَم- بِفَتْح السِّين وَاللَّام- وَمِنْه: «أَدِيم مقروظ»: أَي مدبوغ بالقرظ، والقرظ: نبت بنواحي تهَامَة.

.الحديث السَّادِس:

أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «دِبَاغُ الأديمِ ذَكَاتُه».
هَذَا الحَدِيث حسن، مرويّ من طُرُق، الَّذِي يحضرنا مِنْهَا تِسْعَة:
أَحدهَا: عَن عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهُا، قَالَت: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جُلُود الْميتَة، فَقَالَ: دباغها طهورها».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «دباغها ذكاتها». وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَلَفْظهمَا: «طهُور كل أَدِيم دباغه». وَالطَّبَرَانِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته، وَلَفْظهمَا: «دباغ الْأَدِيم طهوره». وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَلَفظه: «دباغ جُلُود الْميتَة طهورها».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن، وَرِجَاله كلهم ثِقَات.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا: رُوَاته كلهم ثِقَات.
قُلْتُ: فِيهِ إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم الْبَلَدِي، وثَّقه الدَّارَقُطْنِيّ، والخطيب، وَذكره ابْن عدي فِي الْكَامِل، وَقَالَ: حَدَّث بِبَغْدَاد، فكذَّبه النَّاس، وَأَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة، سُوَى الحَدِيث الَّذِي رَدُّوه عَلَيْهِ- وَهُوَ حَدِيث الْغَار- فإنَّه كَذَّبه فِيهِ النَّاس وواجهوه، أَوَّلهمْ البرديجي، وَأَحَادِيثه جَيِّدَة، قد فَتَّشت حَدِيثه الْكثير، فَلم أَجِد لَهُ حَدِيثا مُنْكرا يكون من جِهَته.
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: وَقد تَابعه عَلَى حَدِيث الْغَار ثقتان، وَكتب الذَّهَبِيّ قبالة تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم هَذَا: صحّ، وَهُوَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَن الْعَمَل عَلَى تَوْثِيق ذَلِك الرجل.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه: تَفَرَّد بِهَذَا الحَدِيث الْهَيْثَم بن جميل.
قُلْتُ: لَا يضرّه ذَلِك، فإنَّه ثِقَة ثَبت.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جَوْن- بِفَتْح الْجِيم، وَإِسْكَان الْوَاو، ثمَّ نون- ابْن قَتَادَة، عَن سَلمَة بن المُحَبِّق- بميم مَضْمُومَة، ثمَّ حاء مُهْملَة مَفْتُوحَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة، ثمَّ قَاف- رَضِي اللهُ عَنْهُ- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، دَعَا بِمَاء من عِنْد امْرَأَة، فَقَالَت: مَا عِنْدِي مَاء إلاَّ فِي قربَة لي ميتَة. قَالَ: «أَلَيْسَ قد دبغتيها؟ قَالَت: بلَى. قَالَ: دباغها ذكاتها» وَفِي لفظ: «دباغها طهورها». وَفِي لفظ: «ذكاتها دباغها». وَفِي لفظ: «دباغ الْأَدِيم ذَكَاته».
رَوَاهُ أَحْمد، وأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَالْحَاكِم، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الإِسناد، وصحَّحه أَبُو حَاتِم ابْن حبَان أَيْضا، فإنَّه أخرجه فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «ذَكَاة الْأَدِيم دباغه». وَهُوَ كَمَا قَالَا.
وأعلَّه أَبُو بكر الْأَثْرَم، فَقَالَ فِي ناسخه ومنسوخه: سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: لَا أَدْرِي من هُوَ الجون بن قَتَادَة. وَقَالَ أَبُو طَالب: سَأَلته- يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل- عَن جون بن قَتَادَة، فَقَالَ: لَا نعرفه. قُلْتُ: يروي غير هَذَا الحَدِيث؟ قَالَ: لَا. يَعْنِي حَدِيث الدّباغ.
قُلْتُ: هُوَ جون بن قَتَادَة بن الْأَعْوَر بن سَاعِدَة التَّمِيمِي، بَصرِي، قَالَ فِيهِ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إنَّه مَعْرُوف، لَمْ يَرْوِ عَنهُ غير الْحسن.
واخْتُلف فِي صحبته أَيْضا، فَقَالَ ابْن سعد: صحب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكتب لَهُ كتابا بالشَّبَكَة مَوضِع بالدهناء.
وَقَالَ ابْن حزم فِي المحلَّى أَيْضا إنَّ لَهُ صُحْبَة.
وَذكره ابْن الْأَثِير فِي كتاب الصَّحَابَة لَهُ، فَقَالَ: قيل: لَهُ صُحْبَة، وَقيل: لَا صُحْبَة لَهُ وَلَا رِوَايَة.
وَقَالَ أَبُو نعيم: جون لَا تثبت لَهُ صُحْبَة، وَلَا رِوَايَة.
وَقَالَ الْحَافِظ، أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره: رَوَى عَنهُ الْحسن فِي دباغ الْميتَة، رَوَاهُ بَعضهم: عَن الْحسن، عَن جون، وَرَوَاهُ بَعضهم: عَن الْحسن، عَنهُ، عَن سَلمَة بن المحبق، وَهُوَ أصح.
وَقَالَ فِي كِتَابه مُخْتَصر التَّهْذِيب: لم تصحّ صحبته، لَهُ عَن الزبير، وَسَلَمَة بن المحبق، وَعنهُ: الْحسن، وَقَتَادَة- إِن كَانَ مَحْفُوظًا- وقرة بن الْحَارِث، وعَدَّه بَعضهم صحابيًا، بِحَدِيث وَهِمَ فِيهِ هشيم عَن مَنْصُور بن زَاذَان، عَن الْحسن، عَن جون بن قَتَادَة: «كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر...». وَقد سقط مِنْهُ سَلمَة بن المحبق، وَرَوَاهُ أَيْضا هشيم هَكَذَا.
وَذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي ثقاته، فِي التَّابِعين.
فَإِذا عرفت ذَلِك: فإنْ كَانَ صحابيًا- كَمَا قَالَه ابْن سعد وابْن حزم وَغَيرهمَا: فَلَا يضرّهُ مَا قَالَه الإِمام أَحْمد من جهالته. وَإِن كَانَ تابعيًا: يُعارض قَوْله بقول عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إنَّه مَعْرُوف، وتوثيق ابْن حبَان لَهُ، وَرِوَايَة جمَاعَة عَنهُ، وَذَلِكَ رَافع للْجَهَالَة العينية، والحالية.
قَالَ ابْن عدي: لم يعرف لَهُ أَحْمد غير حَدِيث الدّباغ، وَقد ذكرت لَهُ حَدِيثا آخر، وَمَا أَظن لَهُ غَيرهمَا.
وَسَلَمَة بن المحبق لَهُ صُحْبَة، وَهُوَ هذلي، سكن الْبَصْرَة، وكنيته: أَبُو سِنَان. قَالَ الْحَازِمِي: رَوَى عَن سَلمَة من وَجه آخر نَحْو هَذَا الحَدِيث، إلاَّ أَنه قَالَ: يَوْم خَيْبَر.
وَاسم المحبق: صَخْر بن عبيد، وَقد تقدم أَن بَاء المحبِق مَكْسُورَة. قَالَ ابْن نَاصِر: وَهُوَ الصَّوَاب، لِأَنَّهُ حَبَقَ، فلقب بذلك.
وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِي السّنَن: بعض أهل الْعلم يكسر الْبَاء،، وَأَصْحَاب الحَدِيث يفتحونها. وَاقْتصر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه الإِمام عَلَى الْفَتْح.
لَكِن قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب كشف النقاب عَن الْأَسْمَاء والألقاب: أَصْحَاب الحَدِيث يفتحون الْبَاء، وَهُوَ غلط، إنَّما هِيَ مَكْسُورَة. قَالَ: وَقَالَ الْجَوْهَرِي: إِنَّمَا سَمَّاه أَبوهُ المحبق تفاؤلًا بالشجاعة، أَنه يضرط الْأَعْدَاء، وَلم يرد ذَلِك فِي الصِّحَاح.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي أُمَامَة رَضِي اللهُ عَنْهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي بعض مغازيه، فمرَّ بِأَهْل أَبْيَات من الْعَرَب، فَأرْسل إِلَيْهِم: هَل من مَاء لوضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالُوا: مَا عندنَا مَاء إلاَّ فِي إهَاب ميتَة، دبغناه بِلَبَنٍ، فَأرْسل إِلَيْهِم: إنَّ دِبَاغَه طهوره، فَأُتِي بِهِ، فتوضَّأ، ثمَّ صَلَّى».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه، وَقَالَ: لم يَرْوِه عَن سليم بن عَامر، إلاَّ عُفير بن معدان. وَأخرجه كَذَلِك فِي أكبر معاجمه أَيْضا.
قُلْتُ: وعفير هَذَا: ضَعِيف، قَالَ يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ أَحْمد: ضَعِيف، مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا يُشْتَغل بروايته. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من حَدِيث الشاميين.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ، وَله طرق:
أَحدهَا: عَن أبي الْخَيْر، مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي، قَالَ: «رَأَيْت عَلَى ابْن وَعلة السبئي فَرْوًا، فمسسته، فَقَالَ: مَالك تمسه؟ قد سَأَلت عبد الله بن عَبَّاس، قُلْتُ: إنَّا نَكُون بالمغرب، ومعنا البربر، وَالْمَجُوس، نُؤتى بالكبش قد ذبحوه، وَنحن لَا نَأْكُل ذَبَائِحهم، ونُؤتى بالسقاء يجْعَلُونَ فِيهِ الوَدَك. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: قد سَأَلنَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: دباغه طهوره».
رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إنَّا نَكُون بالمغرب، فَيَأْتِينَا الْمَجُوس بالأسقية فِيهَا المَاء والودك؟ فَقَالَ: اشرب. فَقلت: رَأْي ترَاهُ؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: دباغه طهوره». انْفَرد مُسلم بِهَذَا الحَدِيث من طريقيه.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن يَعْقُوب بن عَطاء، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: «مَاتَت شَاة لميمونة، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا استمتعتم بإهابها؛ فإنَّ دباغ الْأَدِيم طهوره».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَالْبَزَّار فِي مُسْنده، وَالْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته. قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُ عَن يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ إلاَّ شُعْبَة.
قُلْتُ: لَا يضرّهُ ذَلِك، فإنَّ شُعْبَة إِمَام، وتَفَرُّد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يضرّه، نعم الشَّأْن فِي يَعْقُوب بن عَطاء، وَهُوَ: ابْن أبي رَبَاح، فقد قَالَ أَحْمد فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن معِين، وَأَبُو زرْعَة: ضَعِيف، وَأما ابْن حبَان: فَذكره فِي الثِّقَات.
الثَّالِث: عَن فُليح بن سُلَيْمَان، عَن زيد بن أسلم، عَن ابْن وَعلة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «دِبَاغُ كلِّ إهَابٍ طَهُورُهُ».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، وَقَالَ فِي علله: إنَّه الْمَحْفُوظ.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن الْحَارِث، قَالَ: «قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاس: الفِراء تُصنع من جُلُود الْميتَة؟ فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ذَكَاة كل مسك دباغه». وَفِي لفظ: «دباغ كل أَدِيم ذَكَاته».
رَوَاهُ الحافظان: أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق باللفظين الْمَذْكُورين، والدولابي فِي كِتَابه الْأَسْمَاء والكنى، وَهَذَا لَفظه: عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن الْحَارِث، قَالَ: «دخلت عَلَى ابْن عَبَّاس فِي حَدِيث ذكره، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ذَكَاة كل مَسْكٍ دباغه».
المَسْك: بِفَتْح الْمِيم، وَسُكُون السِّين: الْجلد.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن جون بن قَتَادَة التَّمِيمِي، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره، فمرَّ بعض أَصْحَابه بسقاء مُعَلّق، فَأَرَادَ أَن يشرب، فَقَالَ لَهُ صَاحب السقاء: إنَّه جلد ميتَة، فَأمْسك، حتَّى لحقهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكرُوا لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: اشربوا، فإنَّ دِبَاغ الْميتَة طهورها».
ذكره أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كِتَابه المحلَّى بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: جون لَهُ صُحْبَة. وَقد تقدم قَرِيبا الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن هزيل- بالزاي الْمُعْجَمَة- بن شُرَحْبِيل، عَن أم سَلمَة أَو زَيْنَب، أَو غَيرهمَا من أَزوَاج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَلا استمتعتم بإهابها؟. فَقَالَت: يَا رَسُول الله، كَيفَ نستمتع بهَا وَهِي ميتَة؟! فَقَالَ: طهُور الْأَدِيم دباغه».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ هَكَذَا. قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا هزيل، عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «كَانَت لنا شَاة فَمَاتَتْ..»
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من هَذِه الطَّرِيق، وَفِيه: «لتستمتعي بإهابها»، ثمَّ قَالَ: لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة، إلاَّ عباد بن عباد، تفرَّد بِهِ يَحْيَى بن أَيُّوب.
قُلْتُ: وَلَا يضر تفرده بذلك، لِأَنَّهُ ثِقَة ثَبت مخرج حَدِيثه فِي الصَّحِيح.
الطَّرِيق السَّابِع: عَن زيد بن ثَابت رَضِي اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «دباغ جُلُود الْميتَة طهورها».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ مَكْشُوف الْحَال.
الطَّرِيق الثَّامِن: عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي جُلُود الْميتَة: «دباغه طهوره».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث عَلّي بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة، عَنهُ بِهِ. وَعلي وَالقَاسِم: ضعيفان، كَمَا سَيَأْتِي.
الطَّرِيق التَّاسِع: عَن عبد الله بن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَّ عَلَى شَاة، فَقَالَ: مَا هَذِه؟ قَالُوا: ميتَة. قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ادبغوا إهابها، فإنَّ دِبَاغَه طهوره».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، من حَدِيث الْقَاسِم بن عبد الله، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر، ثمَّ قَالَ: الْقَاسِم ضَعِيف. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو أَحْمد فِي الكنى، من حَدِيث حَفْص أَبُو سهل الْخُرَاسَانِي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «جُلُود الْميتَة دباغها»- يَعْنِي: طهورها ثمَّ قَالَ: أَبُو سهل هَذَا فِي حَدِيثه بعض الْمَنَاكِير. قَالَ: وَلَا أعرف لعبد الله بن عمر بن الْخطاب فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا وَلَا رِوَايَة من مخرج يُعتمد عَلَيْهِ، بل كل مَا رُوي عَنهُ فِيهِ واهٍ غير مَحْفُوظ.
وعَدَّد ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه طرق هَذَا الحَدِيث، وَزَاد: أَن أنسا، وَابْن مَسْعُود، وَجَابِر بن عبد الله رَوَوْهُ أَيْضا، وأهمل بعض مَا ذَكرْنَاهُ.
فَهَذِهِ طرق هَذَا الحَدِيث مُوضحَة، وَلَا يضر الضعْف الْمَوْجُود فِي بَعْضهَا الآخر الْخَالِي مِنْهُ.
وَيقرب من هَذَا الحَدِيث حديثان آخرَانِ:
أَحدهمَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنْهُما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يتَوَضَّأ من سِقاء، فَقِيل لَهُ: إنَّه ميتَة. فَقَالَ: دِباغه يزِيل خبثه- أَو نجسه، أَو رجسه».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده. وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح، وَلَا أعرف لَهُ عِلّة.
وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح.
قُلْتُ: وصحَّحه ابْن خُزَيْمَة أَيْضا، لذكره إِيَّاه فِي صَحِيحه.
الحَدِيث الثَّانِي: عَن أم سَلمَة رَضِي اللهُ عَنْهُا، أَنَّهَا قَالَت: «كَانَ لنا شَاة نَحْلُبهَا، ففقدها رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا فعلتِ الشَّاة؟ قَالُوا: مَاتَت. قَالَ: أَفلا انتفعتم بإهابها؟ فَقلت: إنّها ميتَة! فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن دباغها يحل كَمَا يحل خل الْخمر».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: تفرَّد بِهِ فرج بن فضَالة، وَهُوَ ضَعِيف.